كتاب الزكاة
وهي أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : بنى الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت متفق عليه .
شرط وجوبها خمسة أشياء . أحدها : الإسلام ، فلا تجب علىالكافر ، ولو مرتداً لأنها من فروع الإسلام ، لحديث معاذ إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب ، فليكن أول ماتدعوهم إليه : شهادة أن لا إله إلا الله ، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة ، فإن هم أطاعوكً لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم ، فترد على فقرائهم متفق عليه .
الثاني : الحرية ، فلا تجب على الرقيق في قول الأكثر ، فإن ملكه سيده مالاً ، وقلنا لا يملك فزكاته على سيده ، وهو مذهب سفيان . و إسحاق . وعنه : لا زكاة على واحد منهما . قال ابن المنذر : وهذا قول ابن عمر ، وجابر ، ومالك . قاله في الشرح .
ولو مكاتباً قال في الشرح : لا نعلم أحداً خالف فيه إلا أبا ثور . وعن جابر مرفوعاً ليس في مال المكاتب زكاة حتى يعتق رواه الدارقطني .
لكن تجب على البعض بقدر ملكه من المال بجزئه الحر لتمام ملكه عليه .
الثالث : ملك النصاب تقريباً في الأثمان ، وتحديداً في غيرها لما يأتي وتجب فيما زاد على النصاب بالحساب إلا فى السائمة . روي ذلك عن علي ، وابن عمر ، ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة .
الرابع : الملك التام ، فلا زكاة على السيد في دين الكتابة قال في الشرح : بغير خلاف علمناه .
ولا في حصة المضارب من الربح .
قبل القسمة نص عليه . ومن له دين على ملئ زكاه إذا قبضه لما مضى ، وبه قال علي والثوري . وقال عثمان ، وابن عمر ، والشافعي ، و إسحاق ، وأبو عبيد : عليه إخراج الزكاة في الحال ، وإن لم يقبضه . وعن عائشة : ليس في الدين زكاة وعن ابن المسيب : يزكيه إذا قبضه لسنة واحدة . وفي الدين على غير الملئ ، والمجحود ، والمغصوب ، والضائع روايتان ، إحداهما : لا تجب فيه ، وهو قول إسحاق ، وأهل العراق ، لأنه خارج عن يده ، وتصرفه أشبه دين الكتابة . والثانية : يزكيه إذا قبضه لما مضى ، وهو قول الثوري ، وأبي عبيد ، لقول علي في الدين المظنون : إن كان صادقاً فليزكه إذا قبضه ، لما مضى وعن ابن عباس نحوه رواهما أبو عبيد . وعن مالك : يزكيه إذا قبضه لعام واحد ، قاله في الشرح .
وفي حديث ابن عبد العزيز كتب إلى ميمون بن مهران في مظالم كانت في بيت المال أن يردها على أربابها ، ويأخذ منها زكاة عامها ، فإنها كانت مالاً ضماراً . المال الضمار : الغائب الذي لا يرجى ، وإذا رجي فليس بضمار ، وإنما أخذ منه زكاة عام واحد ، لأن أربابه ما كانوا يرجون رده عليهم ، فلم يوجب عليهم زكاة السنين الماضية وهو في بيت المال . رواه مالك في الموطأ بمعناه .
الخامس : تمام الحول لحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول رواه الترمذي ، وأبو داود ، وابن ماجه .
ولا يضر لو نقص نصف يوم ونحوه . صححه في تصحيح الفروع ، لأنه يسير .
وتجب في مال الصغير والمجنون لقوله صلى الله عليه وسلم : ابتغوا في أموال اليتامى كيلا تأكله الزكاة رواه الترمذي . وروي موقوفاً على عمر .
وهي في خمسة أشياء : في سائمة بهيمة الأنعام ، وفي الخارج من الأرض وفى العسل ، وفي الأثمان . وفي عروض التجارة لما يأتي مفصلاً .
ويمنع وجوبها دين ينقص النصاب في الأموال الباطنة رواية واحدة ، لأن عثمان قال بمحضر من الصحابة : هذا شهر زكاتكم ، فمن كان عليه دين فليؤده حتى تخرجوا زكاة أموالكم رواه أبو عبيد . ولم ينكر فكان إجماعاً . وفي الأموال الظاهرة روايتان ، إحداهما : يمنع ، وهو قول إسحاق . والثانية : لا يمنع ، وهو قول مالك ، والشافعي ، قاله في الشرح .
ومن مات ، وعليه زكاة أخذت من تركته نص عليه ، ولو لم يوص بها : لحديث فدين الله أحق بالوفاء .
باب زكاة السائمة
تجب فيها بثلاثة شروط . إحداها : أن تتخذ للدر ، والنسل ، والتسمين ، لا للعمل قال أحمد : ليس في العوامل زكاة .
الثاني : أن تسوم - اًي ترعى - المباح أكثر الحول لحديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده مرفوعاً : في كل إبل سائمة في كل أربعين ابنة لبون رواه أحمد ، وأبو داود ، والنسائي . وفي حديث الصديق مرفوعاً : وفي الغنم في سائمتها ، إذا كانت أربعين ففيها شاة الحديث . وفي آخر : إذا كانت سائمة الرجل ناقصة عن أربعين شاةً شاةً واحدةً فليس فيها شئ إلا أن يشاء ربها فقيد بالسوم .
الثالث : أن تبلغ نصاباً فأقل نصاب الإبل خمس ، وفيها شاة ، ثم في كال خمس شاة إلى خمسة وعشرين ، فتجب بنت مخاض وهي ما تم لها سنة إجماعاً في ذلك كله .
وفي ست وثلاثين ، بنت لبون - لها سنتان - وفي ست وأربعين حقة - لها ثلاث سنين - وفي إحدى وستين جذعة - لها أربع سنين - وفي ست وسبعين ابنتا لبون ، وفي إحدى وتسعين حقتان إلى مائة وعشرين . هذا كله مجمع عليه . قاله في الشرح .
وفي مائة وإحدى وعشرين ثلاث بنات لبون إلى مائة وثلاثين ، فيستقر فى كل أربعين بنت لبون ، وفي كل خمسين حقة لحديث أنس أن أبا بكر الصديق كتب له حين وجهه إلى البحرين : بسم الله الرحمن الرحيم . هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين التي أمر الله بها رسوله ، فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها ، ومن سئل فوقها فلا يعط في أربع وعشرين من الإبل ، فما دونها من الغنم في كل خمس شاة ، فإذا بلغت خمساً وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض ، فإن لم تكن بنت مخاض فابن لبون ذكر ، فإذا بلغت ستاً وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون أنثى ، فإذا بلغت ستاً وأربعين ففيها حقة طروقة الفحل ، فإذا بلغت إحدى وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة ، فإذا بلغت ستاً وسبعين إلى تسعين ففيها ابنتا لبون ، فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتا الفحل ، فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون ، وفي كل خمسين حقة رواه أحمد ، وأبو داود ، والنسائي ، والبخاري ، وقطعه في مواضع .
فصل
وأقل نصاب البقر ، أهلية كانت ، أو وحشية ثلاثون . وفيها تبيع - وهو ما له سنة - وفي أربعين مسنة - لها سنتان - وفى ستين تبيعان ، ثم فى كل ثلاثين تبيع ، وفي كل أربعين مسنة لقول معاذ بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أصدق أهل اليمن فأمرني أن آخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعاً ، ومن كل أربعين مسنة الحديث . رواه أحمد .
فصل
وأقل نصاب الغنم ، أهلية كانت ، أو وحشية وهي غير الظباء . قال بعضهم : يذكرونها ، ولا تعلم ، ولعلها توجد في بعض الأمكنة .
أربعون . وفيها شاة : لها سنة ، جذعة ضأن : لها ستة أشهر لقول سعر بن ديسم أتاني رجلان على بعير ، فقالا : إنا رسولا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لتؤدي صدقة غنمك . قلت : فأي شئ تأخذان ؟ قالا : عناق جذعة ، أو ثنية رواه أبو داود . ولأن هذا السن هو المجزئ في الأضحية . كذلك في الزكاة .
وفي مائة وإحدى وعشرين : شاتان . وفي مائتين وواحدة ثلاث شياه . ، ثم في كل مائة شاة لما روى أنس في كتاب الصدقات : وفي سائمة الغنم إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة ، فإذا زادت على عشرين ومائة ، ففيها شاتان ، فإذا زادت على مائتين إلى ثلاث ، ففيها ثلاث شياه ، فإذا زادت على ثلاثمائة ، ففي كل مائة شاة ، فإذا كانت سائمة الرجل ناقصةً من أربعين شاةً ، شاةً واحدة فليس فيها صدقة ، إلا أن يشاء ربها رواه أحمد ، وأبو داود .
فصل في الخلطة
وإذا اختلط اثنان فأكثر من أهل الزكاة في نصاب ماشية لهم جميع الحول ، واشتركا فى المبيت ، والمسرح ، والمحلب ، والفحل ، والمرعى زكيا كالواحد . ولا تشترط نية الخلطة ، ولا اتحاد المشرب ، والراعى ، ولا اتحاد الفحل إن اختلف النوع : كالبقر ، والجاموس ، والضأن ، والمعز لما روى أنس في كتاب الصدقات ولا يجمع بين متفرق ، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة ، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بالسوية رواه أحمد ، وأبو داود ، والنسائي .
وقد تفيد الخلطة تغليظاً كاثنين اختلطا بأربعين شاة لكل واحد عشرون ، فيلزمهما شاة إنصافاً .
وتخفيفاً كثلاثة اختلطوا بمائة وعشرين شاة ، لكل واحد أربعون ، فيلزمهم شاة أثلاثاً ، ومع عدم الخلطة يلزمهم ثلاث ، كل واحدة شاة .
ولا أثر لتفرقة المال ولا خلطته . نص عليه ، لأن الخبر لا يمكن حمله على غير الماشية . ولا يختلف المذهب في سائر الأموال أن يضم مال الواحد بعضه إلى بعض ، تقاربت البلدان أو تباعدت ، لعدم تأثير الخلطة فيها . قاله في الكافي .
ما لم يكن المال سائمة ، فإن كانت سائمة بمحلين بينهما مسافة قصر ، فلكل حكم نفسه ، فإن كان له شياه بمحال متباعدة في كل محل أربعون ، فعليه شياه بعدد المحال ، ولا شئ عليه إن لم يجتمع له في كل محل أربعون ما لم يكن خلطة لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : لا يفرق بين مجتمع ، ولا يجمع بين متفرق خشية الصدقة .