باب صلاة أهل الأعذار
يلزم المريض أن يصلى المكتوبة قائماً ولو مستنداً لحديث إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم .
فإن لم يستطع فقاعداً ، فإن لم يستطع فعلى جنبه لقوله صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين : صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً ، فإن لم تستطع فعلى جنب رواه الجماعة ، إلا مسلماً .
والأيمن أفضل ويومئ بالركوع ، والسجود ، ويجعله أخفض لحديث علي مرفوعاً وفيه : فإن لم يستطع أن يسجد أومأ إيماءً ، ويجعل سجوده أخفض من ركوعه ، وإن لم يستطع أن يصلي قاعداً صلى على جنبه الأيمن مستقبل القبلة . فإن لم يستطع صلى مستلقياً ورجلاه ممًا يلى القبلة رواه الدارقطني .
فإن عجز أومأ بطرفه ، واستحضرالفعل بقلبه . وكذا القول إن عجز عنه بلسانه أومأ له ، واستحضره بقلبه لحديث إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم .
ولا تسقط ما دام عقله ثابتاً لقدرته على الا يماء مع النية . ولا ينقص أجر مريض إذا صلى على ما يطيقه ، لحديث أبي موسى مرفوعاً إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل مقيماً صحيحاً .
ومن قدر على القيام في أثنائها ، وقد صلى قاعداً انتقل إليه .
والقعود في أثنائها وقد صلى على جنب .
انتقل إليه لتعيينه والحكم يدور مع علته .
ومن قدر على أن يقوم منفرداً ، ويجلس في الجماعة خير قال في الشرح : لأ نه يفعل في كل منهما واجباً ، ويترك واجباً .
وتصح على الراحلة ممن يتاذى بنحو مطر ، ووحل لحديث يعلى بن أمية أن النبي صلى الله عليه وسلم ، انتهى إلى مضيق هو وأصحابه ، وهو على راحلته ، والسماء من فوقهم ، والبلة من أسفل منهم . فحضرت الصلاة ، فأمر المؤذن فأذن ، ثم تقدم ، فصلى بهم - يعني - إيماءً ، يجعل السجود أخفض من الركوع رواه أحمد ، والترمذي ، وقال : العمل عليه عند أهل العلم ، وفعله أنس رضي الله عنه . ذكره أحمد .
أو يخاف على نفسه نزوله من عدو ، أوسبع ونحوه . اًو يعجز عن الركوب إذا نزل .
وعليه الاستقبال ، وما يقدر عليه ويومئ من بالماء ، والطين إذا لم يمكنه الخروج منه بالركوع والسجود لحديث : إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم .
فصل فى صلاة المسافر
قصر الصلاة الرباعية أفضل من إتمامها . نص عليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم ، وخلفاءه داوموا عليه . وروى أحمد عن ابن عمر مرفوعاً إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيتة ولا تقصر المغرب ، ولا الصبح ، إجماعاً . قاله ابن المنذر .
لمن نوى سفراً مباحاً أي ليس حراماً ، ولا مكروهاً ، واجباً كان كحج ، وجهاد متعينين ، أو مسنوناً كزيارة رحم ، أو مستوى الطرفين كتجارة .
لمحل معين فلا يقصر هائم لا يدري أين يذهب . ولا سائح لا يقصد مكاناً معيناً ونحوهما .
يبلغ ستة عشر فرسخاً تقريباً ، وهي أربعة برد .
وهى يومان قاصدان في زمن معتدل بسير الأثقال ودبيب الأقدام لحديث ابن عباس مرفوعاً يا أهل مكة لا تقصروا في أقل من أربعة برد من مكة إلى عسفان رواه الدارقطني . وكان ابن عباس ، وابن عمر لا يقصران في أقل من أربعة برد وقال البخاري في صحيحه : باب في كم يقصر الصلاة . وسمى النبي صلى الله عليه وسلم ، يوماً وليلة سفراً . وكان ابن عباس ، وابن عمر يقصران ويفطران في أربعة برد وهي : ستة عشر فرسخاً . انتهى . إذا فارق بيوت قريته العامرة لأنه قبل ذلك لا يكون ضارباً في الأرض ، ولا مسافراً . ولأنه صلى الله عليه وسلم إنما كان يقصر إذا ارتحل .
ولا يعيد من قصر ، ثم رجع قبل استكمال المسافة لأن المعتبر نية المسافة لا حقيقتها .
ويلزمه إتمام الصلاة إن دخل وقتها وهو فى الحضر لأنها وجبت تامة ولأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بالمدينة أربعاً ، والعصر بذي الحليفة ركعتين .
أو صلى خلف من يتم نص عليه ، لأن ابن عباس سئل : ما بال المسافر يصلي ركعتين حال الانفراد ، وأربعاً إذا ائتم بمقيم ؟ فقال تلك السنة رواه أحمد .
أو لم ينو القصر عند الإحرام لأن الأصل الإتمام ، فإطلاق النية ينصرف إليه . قاله في الكافي .
أو نوى إقامة مطلقة لانقطاع السفر المبيح للقصر .
أو أكثر من أربعة أيام ، أو أقام لحاجة ، وظن أن لا تنقضي ، إلا بعد الأربعة لأن النبي صلى الله عليه وسلم اًقام بمكة ، فصلى بها إحدى وعشرين صلاة يقصر فيها ، وذلك أنه قدم صبح رابعة ، فأقام إلى يوم التروية ، فصلى الصبح ، ثم خرج . فمن اًقام مثل إقامته قصر ، ومن زاد أتم . ذكره الإمام أحمد . قال أنس : أقمنا بمكة عشراً نقصر الصلاة ومعناه ما ذكرنا ، لأنه حسب خروجه إلى منى ، وعرفة ، وما بعده من العشر .
أو أخر الصلاة بلا عذر حتى ضاق وقتها عنها لأنه صار عاصياً بتأخيرها عمداً بلا عذر . وقيل يقصر لعدم تحريم السبب . وفاقاً للأئمة الثلاثة . قاله في الفروع .
ويقصر إن أقام لحاجة بلا نية الإقامة فوق أربعة أيام ، ولا يدري متى تنقضي أوحبس ظلماً ، أو بمطر ولو أقام سنين قال ابن المنذر : أجمعوا على أن المسافر يقصر مالم يجمع إقامة . انتهى . وأقام صلى الله عليه وسلم بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة رواه أحمد . ولما فتح مكة اًقام بها تسعة عشر يوماً يصلي ركعتين رواه البخاري .
وقال أنس اًقام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : ، برام هرمز تسعة أشهر يقصرون الصلاة رواه البيهقي بإسناد حسن وأقام ابن عمر بأذربيجان ستة أشهر يقصر الصلاة ، وقد حال الثلج بينه وبين الدخول رواه الأثرم .
فصل في الجمع
يباح بسفر القصر الجمع بين الظهر والعصر ، والعشاءين بوقت إحداهما نص عليه ، لحديث معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك ، إذا ارتحل قبل زيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر يصليهما جميعاً ، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر ، والعصر جميعاً ، ثم سار . وكان يفعل مثل ذلك في المغرب ، والعشاء رواه أبو داود ، والترمذي ، وقال : حسن غريب . وعن أنس : معناه . متفق عليه . وسواء كان سائراً ، أو نازلاً لأنها رخصة من رخص السفر ، فلم يعتبر فيها وجود السير كسائر رخصه . قاله في الكافي .
ويباح لمقيم مريض يلحقه بتركه مشقة لقول ابن عباس جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر ، والعصر ، والمغرب ، والعشاء ، بالمدينة من غير خوف ، ولا مطر وفي رواية من غير خوف ، ولا سفر رواهما مسلم . وقد أجمعنا على أن الجمع لا يجوز لغير عذر ، فلم يبق إلا المرض ، ولأنه صلى الله عليه وسلم أمر المستحاضة بالجمع بين الصلاتين . والإستحاضة نوع مرض .
ولمرضع لمشقة كثرة النجاسة نص عليه .
ولعاجز عن الطهارة لكل صلاة كمن به سلس البول قياساً على الاستحاضة .
ولعذر ، أو شغل يبيح ترك الجمعة والجماعة وتقدم .
ويختص بجواز جميع العشاءين ، ولو صلى ببيته ، ثلج وجليد ، ووحل وريح شديدة باردة ، ومطر يبل الثياب ، ويوجد معه مشقة لأنه صلى الله عليه وسلم جمع بين المغرب ، والعشاء في ليلة مطيرة رواه النجاد بإسناده . وفعله أبو بكر ، وعمر ، وعثمان . وروى الأثرم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه قال إن من السنة ، إذا كان يوم مطير ، أن يجمع بين المغرب والعشاء ولمالك في الموطأ عن نافع أن ابن عمر كان إذا جمع الأمراء بين المغرب والعشاء في المطر ، جمع معهم وقال أحمد في الجمع في المطر : يجمع بينهما إذا اختلط الظلام قبل أن يغيب
الشفق . كذا صنع ابن عمر . ولا يجمع بين الظهر والعصر للمطر ، قال أحمد : ما سمعت بذلك . وهذا اختيار أبي بكر . والثلج ، والبرد في ذلك كالمطر ، والوحل كذلك ، والريح الشديدة الباردة تبيح الجمع ، وهو قول عمر بن عبد العزيز . ويجوز الجمع للمنفرد ، ومن كان طريقه إلى المسجد في ظلال ، ومن مقامه في المسجد ، لأن العذر إذا وجد استوى فيه حال المشقة ، وعدمها كالسفر ، و لأنه صلى الله عليه وسلم جمع في مطر وليس بين حجرته والمسجد شئ .
والأفضل فعل الأرفق به من تقديم الجمع ، أو تأخيره لحديث معاذ السابق .
فإن جمع تقديماً اشترط لصحة الجمع نيته عند إحرام الأولى لحديث إنما الأعمال بالنيات
وأن لا يفرق بينهما بنحو نافلة بل بقدر إقامة ، ووضوء خفيف لأن معنى الجمع المقارنة ، والمتابعة ، ولا يحصل مع تفريق أكثر من ذلك .
وأن يوجد العذر عند افتتاحهما ، وأن يستمر إلى فراغ الثانية لأنه سببه .
وإن جمع تأخيراً اشترط نية الجمع بوقت الأولى قبل أن يضيق وقتها عنها لأن تأخيرها حرام فينافي الرخصة ، ولفوات فائدة الجمع : وهي التخفيف بالمقارنة .
وبقاء العذر إلى دخول وقت الثانية لا غير لأن العذر هو المبيح للجمع ، فإن لم يستمر إلى وقت الثانية زال المقتضي للجمع ، فامتنع . كمسافر قدم ، ومريض برئ .
ولا يشترط للصحة اتحاد الإمام ، والمأموم ، فلو صلاهما خلف إمامين ، أو بمأموم الأولى ، وبآخر الثانية ، أو خلف من لم يجمع ، أوإحداهما منفرداً ، أو الأخرى جماعة ، أو صلى بمن لم يجمع ، صح لعدم المانع من ذلك .