فصل
من قبض العين لحظ نفسه ، كمرتهن وأجير ومستأجر ومشتر وبائع وغاصب ، وملتقط ، ومقترض ، ومضارب ، وادعى الرد للمالك فأنكره لم يقبل قوله إلا ببينة وهو المشهور عن أحمد ، وخرج أبو الخطاب ، وأبو الحسين وجهاً بقبول قول المرتهن ، ونحوه في الرد ، لأنه أمين في الجملة ، وكذا الخلاف في المستأجر . قاله في القواعد ، وقدمه في الكافي .
وكذا مودع ، ووكيل ، ووصى ، ودلال بجعل إذا ادعى الرد قال في القواعد : القسم الثالث : من قبض المال لمنفعة مشتركة بينه وبين مالكه ، كالمضارب ، والشريك ، والوكيل بجعل ، والوصي كذلك . ففي قبول قولهم في الرد وجهان ، لوجود المشائبتين في حقهم ،
أحدهما : عدم القبول . نص عليه في المضارب في رواية ابن منصور . وهو اختيار ابن حامد ، وابن أبي موسى ، والقاضي في المجرد ، وابن عقيل ، وغيرهم .
والثاني : قبول قولهم في ذلك . اختاره القاضي في خلافه ، وابنه أبو الحسين ، والشريف أبو جعفر ، و أبو الخطاب في خلافه ، ووجدت ذلك منصوصاً عن أحمد في المضارب أيضاً أن القول قوله بيمينه . انتهى .
وبلا جعل يقبل قوله بيمينه لأنه أمين قبض المال لمنفعة مالكه وحده . قال معناه في القواعد .
الضمان
الضمان جائز إجماعاً في الجملة ، لقوله تعالى : ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم [ يوسف : 72] قال ابن عباس الزعيم : الكفيل ولقوله صلى الله عليه وسلم : الزعيم غارم رواه أبو داود والترمذي وحسنه .
يصحان تنجيزاً كأنا ضامن ، أو كفيل الآن .
وتعليقاً كإن أعطيته كذا فأنا ضامن لك ، أو كفيل به للآية السابقة .
وتوقيتاً كإذا جاء رأس الشهر فأنا ضامن لك ، أو كفيل عند أبي الخطاب ، والشريف أبي جعفر ، وهو مذهب أبي حنيفة . وقال القاضي : لا يصح ، لأنه إثبات حق لآدمي ، فلم يجز ذلك فيه كالبيع ، وهو مذهب الشافعي .
ممن يصح تبرعه لأنه إيجاب مال ، فلم يصح إلا من جائز التصرف .
ولرب الحق مطالبة الضمان والمضمون معاً أو أيهما شاء لثبوت الحق في ذمتهما ، وحكي عن مالك في إحدى الروايتين عنه : أنه لا يطالب الضامن إلا إذا تعذر مطالبة المضمون عنه ، ولنا قوله صلى الله عليه وسلم الزعيم غارم قاله في الشرح .
لكن لو ضمن ديناً حالاً إلى أجل معلوم صح ، ولم يطالب الضان قبل مضيه نص عليه : في رجل ضمن ما على فلان أن يؤديه حقه في ثلاث سنين فهو عليه ، ويؤديه كما ضمن ، ولحديث رواه ابن ماجة ، عن ابن عباس معناه أن النبي صلى الله عليه وسلم ، تحمل عشرة دنانير عن رجل قد لزمه غريمه إلى شهر ، وقضاها عنه ولأنه مال لزم مؤجلاً بعقد فكان كما التزمه ، كالثمن المؤجل ، ولم يكن على الضامن حالاً ، وتأجل ، ويجوز تخالف ما في الذمتين .
ويصح ضمان عهدة الثمن والمثمن لدعاء الحاجة إليه : بأن يضمن الثمن إن استحق المبيع ، أو رد بعيب ، أو الأرش إن خرج معيباً ، أو يضمن الثمن للبائع قبل تسليمه ، أو إن ظهر به عيب . وممن أجاز ضمان العهدة في الجملة : أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، قاله في الشرح .
والمقبوض على وجه السوم إن ساومه ، وقطع ثمنه ، أوساومه ولم يقطع ثمنه ليريه أهله إن رضوه ، وإلا رده ، لأنه مضمون على قابضه إذا تلف بيده ، فيصح ضمانه ، كعهدة المبيع .
والعين المضمونة كالغصب والعارية لأنها مضمونة على من هي بيده لو تلفت ، فصح ضمانها ، ومعنى ضمان غصب ونحوه : ضمان استنقاذه ، والتزام تحصيله ، أو قيمته عند تلفه ، فهو كعهدة المبيع .
ولا يصح ضمان غير المضمونة كالوديعة ونحوها كالعين المؤجرة ، ومال الشركة ، لأنها غير مضمونة على صاحب اليد ، فكذا على ضامنه إلا أن يضمن التعدي فيها ، فيصح في ظاهر كلام أحمد ، لأنها مع التعدي مضمونة كالغصب .
ولا دين الكتابة لأنه ليس بلازم ، ولا مآله إلى اللزوم ، لأنه يملك تعجيز نفسه .
ولا بعض دين لم يقدر لجهالته حالاً ومالاً . قال في الفروع : وصححه أبو الخطاب ، ويفسره . انتهى . ويصح ضمان المعلوم ، والمجهول قبل وجوبه وبعده ، للآية . وحمل البعير يختلف ، فهو غير معلوم ، وقد ضمنه قبل وجوبه .
وإن قضى الضامن ما على المدين ، ونوى الرجوع عليه رجع ، ولو لم يأذن له المدين في الضمان والقضاء لأنه قضاء مبرئ من دين واجب لم يتبرع به ، فكان من ضمان من هو عليه ، كالحاكم إذا قضاه عنه عند امتناعه . وأما قضاء علي وأبي قتادة عن الميت ، فكان تبرعاً لقصد براءة ذمته ، ليصلي عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، مع علمهما أنه لم يترك وفاء ، والكلام فيمن نوى الرجوع لا من تبرع .
وكذا كل من أدى عن غيره دينأ واجباً فيرجع إن نوى الرجوع ، وإلا فلا . إلا الزكاة ، والكفارة ونحوهما مما يفتقر إلى نية ، لأنها لا تجزئ بغير نية ممن هي عليه .
وإن برئ المديون بوفاء أو إبراء أو حوالة .
برئ ضامنه لأنه تبع له ، والضمان وثيقة ، فإذا برئ الأصل زالت الوثيقة كالرهن .
ولا عكس أي : لا يبرأ مدين ببراءة ضامن ، لعدم تبعيته له .
ولو ضمن اثنان واحداً ، وقال كل : ضمنت لك الدين . كان لربه طلب كل واحد بالدين كله لثبوته في ذمة المدين أصالة ، وفي ذمة الضامنين تبعاً ، كل واحد منهما ضامن الدين منفرداً ، ويبرؤون بأداء أحدهم وبإبراء المضمون عنه . قال مهنا : سألت أحمد عن رجل له على رجل ألف درهم ، فأقام بها كفيلين : كل واحد منهما كفيل ضام ، فأيهما شاء أخذه بحقه ، فأحال رب المال رجلاً عليه بحقه ، قال : يبرأ الكفيلان .
وإن قالا : ضمنا لك الدين فبينهما بالحصص أي نصفين ، لأن مقتضى الشركة التسوية .
فصل
والكفالة : هي أن يلتزم بإحضار بدن من عليه حق مالي إلى ربه من دين ، أوعارية ، ونحوهما . قال في الشرح : وجملة ذلك : أن الكفالة بالنفس صحيحة في قول أكثر أهل العلم ، لقوله تعالى : قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم [يوسف : 66] ولحديث الزعيم غارم تصح ببدن كل من يلزمه الحضور في مجلس الحكم ، بلفظ : أنا كفيل بفلان ، أو بنفسه ، أو بدنه ، أو وجهه ، أو ضامن ، أو زعيم ، ونحوها . ولا تصح ببدن من عليه حد لله تعالى ، أو لآدمي . قال في الشرح : وهو قول أكثر العلماء لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً : لا كفالة في حد ولأن مبناه على الإسقاط ، والدرء بالشبهة ، فلا يدخله الإستيثاق ، ولا يمكن استيفاؤه من غير الجانى .
ويعتبر رضى الكفيل لأنه لا يلزمه الحق ابتداء إلا برضاه .
لا المكفول ، ولا المكفول له كالضمان ، لحديث جابر : أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل ليصلي عليه فقال : أعليه دين ؟ قلنا : ديناران . فانصرف فتحملهما أبو قتادة ، فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم رواه أحمد والبخاري بمعناه . فلم يعتبر الرضى المضمون له ، ولا المضمون عنه ، فكذا الكفالة .
ومتى سلم الكفيل المكفول لرب الحق بمحل العقد وقد حل الأجل ، إن كانت الكفالة مؤجلة برئ الكفيل مطلقاً . نص عليه . أو سلمه قبل الأجل ، ولا ضرر في قبضه برئ الكفيل ، لأنه زاده خيراً بتعجيل حقه ، فإن كان فيه ضرر لغيبة حجته ، أو لم يكن يوم مجلس الحكم ، أو الدين مؤجل لا يمكن استيفاؤه ، أو كان ثم يد حائلة ظالمة ونحوه ، لم يبرأ الكفيل ، لأنه كلا تسليم .
أو سلم المكفول نفسه برئ الكفيل ، لأن الأصيل أدى ما على الكفيل ، كما لو قضى مضمون عنه الدين .
أو مات المكفول .
برئ الكفيل لسقوط الحضور عنه بموته ، وكذا إن تلفت العين المكفولة بفعل الله ، وبه قال الشافعي .
وإن تعذر على الكفيل إحضار المكفول مع حياته ، أو امتنع الكفيل من إحضاره .
ضمن جميع ما عليه نص عليه ، لحديث الزعيم غارم . ولأنها أحد نوعي الكفالة فوجب الغرم بها كالضمان ، قاله في الكافي .
ومن كفله اثنان فسلمه أحدهما لم يبرأ الآخر لانحلال إحدى الوثيقتين بلا استيفاء ، فلا تنحل الأخرى ، كما لو برئ أحدهما ، أو انفك أحد الرهنين بلا قضاء .
وإن سلم المكفول
نفسه برئا أي : الكفيلان ، لأداء الأصيل ما عليهما .