الشيشان: الوطن المقاوم
إن شهود القرن الحادي و العشرون الذين يتحيرون من المقاومة البطولية لحفنة من الرجال الصامدين في وجه الجيوش الروسية الجرارة، و التي كانت فيما مضى قوة عظمى، لا يوفون أولئك المناضلين حقهم كما ينبغي. فحسب الإعلام الغربي هم ليسوا بأكثر من عصاة متمردين. لكن و بإجراء محاكمة عقلية بسيطة يبدو جليا أن أمة باسلة تقاوم الضغوط الهائلة بهذه الضراوة لا يمكن أن توصف بالعاصية. فنضال الشيشان يعبر عن ضمير الأمة، بل له حكاية موغلة في القدم و ممتدة عبر التاريخ.
و لنتمكن من شرح قصة الحرب في الشيشان بشكل صحيح يجب علينا قراءة هذه الحكاية. فهذه المقاومة تستمد معناها من التاريخ أولا و قبل كل شئ. فكل شيشاني قد ورث عن أجداده الموعظة التالية: المقاومة من أجل الحرية، كما ورث عنهم أيضا الإيمان بالله. هاكم حكاية الشيشان:
عقب حرب دامت 400 عاما و في مطلع القرن العشرين احتل الجيش الروسي أراضي جمهورية الشيشان ـ إتشكيريا. حسب المصادر الرسمية فقد انتهت الحرب في القفقاس عام 1859 و هو تاريخ استسلام الإمام شامل. إلا أن الحركات العسكرية الناشطة استمرت على الأراضي الشيشانية حتى عام 1878 تحت قيادة نائب الإمام شامل بايسونغور و ماكوميد (محمد) و أمين و إمام الشيشان الحجي آلبيك. كما استمرت الحركات العسكرية هناك ضد الإدارة الروسية المحتلة حتى عام 1876 حيث قتل خاسوخة ماكومادوف آخر قائد شيشاني عسكري في نفس العام.
بدأ الشيشانيون مقاومة احتلال القيصر الروسي. كان قائد الجهاد هو الشيخ منصور الذي اعتُقل عام 1791 و استشهد عام 1794 في سجن سليسلبرغ.
عين الجنرال يرمالوف قائدا على القفقاس و قد أعد جيشا كبيرا معطيا إشارة البدء لعملية الإبادة في القفقاس.
عمَّت الحرب سائر أرجاء القفقاس و استمرت مقاومة المسلمين للروس في داغستان تحت زعامة كل من الإمام غازي محمد و الإمام حمزات.
تابع الإمام شامل تزعم المقاومة بعد استشهاد الإمام حمزات. كما انضمت القوات التي كانت تحت رئاسة تاسو حجي إلى الإمام شامل أيضا.
استمر القيصر الروسي باتباع سياسة الضغط على الأراضي الشيشانية بهدف الاستيلاء على القفقاس. و بدأت كافة شعوب شمال القفقاس النضال تحت زعامة الإمام شامل. حسب التاريخ الروسي فقد استمر الجهاد القومي الحر في القفقاس 25 عاما.
احتل الروس قرية فيدينو آخر معقل للشيشانيين و وقع الإمام شامل في الأسر. رغم هذا لم يحبط الشيشانيون بل استمروا في نضالهم حتى عام 1864.
ثار الشيشانيون و الأنغوش من جديد. و بعد عامين من الحرب الضارية شرع الروس بتهجيرهم من أوطانهم لتوطين الروس القوزاق في المنطقة. إثر ذلك بدأ الشيشان و الأنغوش حرب العصابات و استمر المجاهدون بالنضال ضد الروس القوزاق تحت زعامة زليمخان حتى عام 1917.
11 أيار 1918
عقب سقوط الإمبراطورية القيصرية الروسية شكَّل أحد القادة السياسيين الشيشانيين تحت رئاسة تابة تشيرموييف "جمهورية شمال القفقاس" في القفقاس. اعترفت ألمانيا و الدولة العثمانية بهذه الجمهورية. إلا أن هذه الدولة غدت فريسة هجوم و احتلال الجيش الأبيض أولا ثم الجيش البلشفي.
1919 ـ 1920
رغم استمرار النضال تحت زعامة الشيخ أوزون حجي احتل البلشفيون سائر شمال القفقاس عام 1921. إلا أن حرب العصابات لم تتوقف و على وجه الخصوص في الشيشان. و أضيف في هذه المرة محاولة نشر الشيوعية إلى جانب التوسع الروسي في القفقاس.
1922
أعلن الشيوعيون عن المنطقة تحت اسم "الولاية الشيشانية".
1924 ـ 1925
أُعلنت الأحكام العرفية و زُجَّ بالكثيرين في السجون.
1929
بدأت القيادة الروسية الاستيلاء على الأراضي القفقاسية فقامت حركة شيشانية مناوئة تحت زعامة سيت إسلامبولوف.
1930
عمل الجيش الأحمر على التوصل إلى اتفاقية مع المجاهدين تحت رئاسة سيت إسلامبولوف. و تعهد السوفيت في هذه المعاهدة باحترام و ضمان حقوق الأنغوش و الشيشان.
1931
خرقت منظمة الاستخبارات الروسية الـ كي. غي. بي الاتفاقية و قتلوا سيت إسلامبولوف و رفاقه رميا بالرصاص. استلم مكان سيت إسلامبوف شقيقه حسان إسلامبوف و استمر بالنضال ضد الجيش الأحمر حتى عام 1935.
1932
ثار الشعب في منطقة نوغاي يورت، و لإخماد ثورتهم تلك قامت استخبارات الـ إن. كي. في. دي التي تحولت فيما بعد إلى الـ كي. غي. بي بزج أبناء الشعب في السجون و تعذيبهم.
عقب ذلك قامت الـ كي. غي. بي، و بهدف إلقاء اللوم على عاتق الشعوب المتواجدة في المناطق الأخرى، بافتعال ثورة مزيفة تحت زعامة رئيس الحزب الأحمر إبراهيم كيلديران حيث قام الجيش الأحمر بإطلاق النار على الشعب و قتل كيلدرن.
1936
أطلقت موسكو اسم الجمهورية الشيشانية الأنغوشية السوفيتية الاشتراكية ذات الحكم الذاتي على ولاية الشيشان ـ أنغوشيا. و في عام 1937 زج بكل من كان يعترض على كلمتي "السوفيتية الاشتراكية" بالسجن. أعتُقل الآلاف بهذه الطريقة و لم يعد أحد من المعتقلين إلى منزله.
1940
غدت الثورة التي كان يخوضها حسان إسلامبوف ضد سياسة التهجير التي اتبعها الروس عاملا موحِّدا للثورات في القفقاس. و استعاد حسان إسلامبوف مدينة شاتوي كما ألَّف حكومة مؤقتة لشعب الأنغوش و الكالانوج . فشلت روسيا في القضاء على مؤيدي إسلامبوف رغم عشرات الهجمات التي قامت بها.
1942
أعلن في الشيشان عن إعادة تشكيل الدولة الشيشانية و التي كان على رأسها المحامي حسان إسرائيلوف.
23 شباط 1944
بعد عملية عسكرية واسعة النطاق قام ستالين بتهجير سائر الشعب الشيشاني إلى جانب كل من شعوب القرم و القراشاي و البلقار و أتراك أخيسكا إلى سهوب سيبيريا و تركستان. رغم ذلك استمرت حرب العصابات في سائر أرجاء الأراضي الشيشانية و حتى عام 1976.
1944
قضى الآلاف من الشيشانيين نحبهم أثناء التهجير بسبب الجوع و تفشي الأمراض المعدية و تحت طلقات رصاص الجنود الروس.
1957
من أجل رد الاعتبار لكل من شعبي الأنغوش و الشيشان الذين في المهجر اعترف الرئيس السوفيتي نيكيتا كوروستشيف ببعض حقوقهم. و هكذا بدؤوا بالعودة إلى أوطانهم في جمهورية الشيشان ـ أنغوش. تابعت موسكو في هذه الأثناء توطين الروس القوزاق على الأراضي الشيشانية الأنغوشية للتلاعب بالبنية السكانية.
1976
استمر الجهاد المسلح في الجبال الشيشانية منذ هذا التاريخ و حتى عام 1990.
1982
استمر سوسلوف، مساعد بريجينيف الرجل الأول في الاتحاد السوفيتي للحزب الشيوعي المتحد للسوفيتيين، باتباع سياسة "التذويب" مدعيا أن "الشعوب الأخرى تنضم إلى الاتحاد السوفيتي بناء على رغبتها".
1988
تشكلت جبهة الشعب الشيشاني الأنغوشي و انتُخب الحاج أحمد بيسولتانوف رئيسا لها. كان أول ما قامت به هذه الجبهة هو تنظيم مظاهرة احتجاج ضد المصنع الكيماوي قيد الإنجاز في غودرميس. كما تألفت في هذه الأثناء أيضا تشكيلات سياسية اكتسبت عام 1990 صفة الأحزاب السياسية.
23 ـ 25 تشرين الأول 1990
تشكل كونغرس الشعب الشيشاني في غروزني مناديا بإعلان استقلال الشعب الشيشاني و إعادة إحياء الدولة المستقلة من جديد.
27 تشرين الأول 1990
أقرَّت جمهورية الشيشان ـ أنغوش المنحازة لموسكو الإعلان الذي نشره كونغرس الشعب الشيشاني، كما قامت هي الأخرى بنشر إعلان متعلق باستقلال دولة جمهورية الشيشان ـ أنغوش. ألغيت كلمة حكم ذاتي و أعلن إنشاء جمهورية الشيشان ـ أنغوش و استقلالها عن الاتحاد السوفيتي و الفدرالية الروسية . لم يشارك الشعب الشيشاني بأي من الاستفتاءات أو انتخابات رئاسة الجمهورية التي جرت في الاتحاد السوفيتي أو الفدرالية الروسية.
8 تموز 1991
اقتُرح في القرار المتخذ في الاجتماع الثاني لكونغرس الشعب الشيشاني عقد اتفاقية واسعة النطاق بين الشيشان و الحكومة السوفيتية. و بسبب تغيير النظام في الشيشان فقد أعلن عن فقدان جمهورية الشيشان ـ أنغوش المنحازة لروسيا لمشروعيتها. و عقب محاولة الإقدام على قلب نظام الحكم في موسكو بتاريخ 19 آب 1991 قام كونغرس الشعب الشيشاني بتنظيم مقاومة مسلحة ضد أولئك الذين أقدموا على تلك المحاولة.
1 أيلول 1991
بمشاركة ممثلين من كافة المستويات عن البرلمان السوفيتي في الشيشان و في الاجتماع الثالث لكونغرس الشعب الشيشاني أُعلِنَ عن إسقاط المجلس الشيشاني ـ الأنغوشي الموالي لروسيا. و بالمقابل أعلن عن إعادة إحياء الدولة المستقلة و نظام الدولة الحقوقي اللذان كانا قد ألغيا بسبب الحروب التي قامت بها روسيا على مر مئات السنين.
6 أيلول 1991
أُسقِطت إدارة السوفييت الأعلى السابقة الموالية لموسكو. و أصبحت أبنية السوفييت الأعلى و الـ كي. غي. بي و وزارة الـداخلية واقعة تحت رقابة كونغرس الشعب الشيشاني.
15 أيلول 1991
اتخذ مجلس الشيشان ـ أنغوشيا السوفييتي الأعلى السابق قرارا بحل نفسه. و باشتراك ممثلين للمجلس السوفيتي الشيشاني على كافة المستويات أعلن كونغرس الشعب الشيشاني إنشاء المجلس الأعلى المؤقت. و أُعطي هذا المجلس مهمة إجراء انتخابات الرئاسة و البرلمان في الدولة الشيشانية المستقلة.
و لإجراء انتخابات مشروعة قام كل من الكونغرس و المجلس الأعلى المؤقت بتنظيم الوثائق الحقوقية اللازمة و الشؤون القانونية.
تشرين الثاني 1991
قام الشعب الأنغوشي بتأليف كونغرس خاص به في أنغوشيا كما أعلن عن تشكيل جمهوريته في مدينة نازران المركزية.
27 تشرين الأول 1991
تحت رقابة 23 دولة عالمية و مراقبين حضروا من مؤسسات دولية جرت انتخابات برلمان الدولة الشيشانية المستقلة و انتخابات رئاسة الدولة. و بخصوص نتائج الانتخابات فقد قُبِلَ محضر الضبط الذي نظمه المراقبين الدوليين المتعلق بمشروعية الانتخابات.
انتخب رئيس مجلس الشعب الشيشاني جنرال القوات الجوية الإستراتيجية الجنرال جوهر دوداييف لرئاسة دولة الشيشان المستقلة. كما انتُخِبَ في نفس الوقت في البرلمان المؤلف من 41 مرشح.
1 تشرين الثاني 1991
أول ما قام به رئيس الدولة الشيشانية جوهر دوداييف هو التوقيع على مرسوم بخصوص "إحياء دولة الجمهورية الشيشانية المستقلة". قام رئيس دولة الفدرالية الروسية بوريس يلتسن بإعلان حالة الطوارئ في الشيشان و إرسال جنود إلى العاصمة الشيشانية غروزني. عاد أولئك الجنود أدراجهم بعد ثلاثة أيام نتيجة لإعاقة جنود رئيس الدولة جوهر دوداييف لهم في مطار غرزوني كما ألغيت حالة الطوارئ.
12 آذار 1992
أقر برلمان جمهورية الشيشان ـ إتشكيريا دستور الدولة الشيشانية المستقلة. و بناء على محضر الضبط المتعلق باستقلال دولة الجمهورية الشيشانية تشكل الدستور وفق المعايير الدستورية.
نيسان 1992
بناء على اتفاقية أُبرمت مع الحكومة الشيشانية قامت روسيا بسحب جيوشها تماما من الأراضي الشيشانية. و منذ ذلك التاريخ لم يبقَ و لا حتى جندي روسي واحد على الأراضي الشيشانية.
حزيران 1992